كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وكل داع إلى الله لا يصيبه أذى، فهذا يُنقص من حظه في ميراث النبوة؛ لأن الذي يأتي له الأذى هو الذي يأخذ حظًا من ميراث النبوة، فالأذى لا يجيء إلا بمقدار خطورة الداعي إلى الله سبحانه على الفساد والمفسدين، وهم الذين تجتمعون ضده.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نضَّر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلَّغها، فرُبَّ حامل فقه إلى مَنْ هو أفقه منه».
إذن: فنحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم قد ورثنا منه البلاغ، وورثنا منه الأسوة الحسنة: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُواْ الله واليوم الآخر وَذَكَرَ الله كَثِيرًا} [الأحزاب: 21].
إذن: فقول الحق سبحانه وتعالى: {واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ} [يونس: 109]. هو دليل على أن الوحي بصدد الإنزال؛ لأن الوحي لم ينزل بالقرآن دَفْعة واحدة، فقد كان الوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم طوال حياته.
وهكذا تكون حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي مقام الاستقبال للوحي.
وقول الحق سبحانه: {واصبر حتى يَحْكُمَ الله} [يونس: 109]. يوضح لنا أنه سبحانه قد وضع حدًّا تؤمل فيه أن الأمر لن يظل صبرًا، وأن القضية ستُحسم من قريب بحكم من الله تعالى.
كلمة: {يَحْكُمَ} توضح أن هناك فريقين؛ كُلُّ يدَّعي أنه على حق، ثم يأتي مَنْ يفصل في القضية، والحجة إما الإقرار أو الشهود، وبطبيعة الحال لن يُقِرَّ الكفار بكفرهم، والشهود قد يكونون عُدولًا، أو يكونون ممن يُدارونَ فِسْقهم في ظاهر العدالة. فإذا كان الله سبحانه وتعالى هو الحاكم، فهو لا يحتاج إلى شهود؛ لأنه خير الشاهدين، والله سبحانه لا يحكم فقط دون قدرة إنفاذ الحكم، لا بل هو يحكم وينفذ.
إذن: فهو سبحانه قد شهد وحكم ونفَّذ، ولا توجد قوة تقف أمام قدرة الله تعالى، أو تقف أمام حكم الله عز وجل.
ونحن في زماننا نرى القُوى وهي تختلف، فنجد القويَّ من الدول وقد تسلَّط على الضعيف، فيلجأ الضعيف إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ويصدر كل منهما قرارات، وحتى لو افترضنا عدالة الحكم، فأين قوة التنفيذ؟ إنها غير موجودة.
ولكن قدرة الحق الأعلى سبحانه هي قدرة خير الحاكمين، لأنه هو سبحانه الذي يشهد، وهو سبحانه لا يحتاج إلى مَنْ يُدلِّس عليه في الشهادة؛ لأنك إن عمَّيت على قضاء الأرض، فلن تُعمَّى على قضاء السماء.
وبعد ذلك يحكم الحق سبحانه حُكْمًا لا هوى فيه؛ لأن آفة الأحكام أن يدخلها الهوى فتميل، والحق سبحانه لا هوى له؛ لأنه لا مصلحة له عند العباد، فهو الخالق عز وجل، ولن يأخذ مصلحة من مخلوق.
ويطمئنا الحق سبحانه على أن رسوله صلى الله عليه وسلم أيضًا لا ينطق عن الهوى.
فيقول رب العزة سبحانه: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يوحى} [النجم: 34].
أي: اطمئنوا إلى حكمه؛ لأنه لا ينطق عن هوى فليس في نفسه ما يريد تحقيقه إلا دعوة الخلق إلى حُسْن عبادة الخالق سبحانه.
وقد يقول قائل: ولكن الحق عز وجل عدَّل للرسول بعضًا من الأحكام.
ونقول: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد ببشريته فيما لم يُنزِل الله فيه حُكْمًا، وحين يُنزِل الله حُكْمًا، فهو صلى الله عليه وسلم ينزل على أمر الله تعالى، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه سلم يحكم حتى فيما اجتهد فيه عن هوى، بل حكم بما رآه عدلًا، وحين يُنزِل الحق سبحانه وتعالى حُكْمًا مغايرًا فهو يبلغ المسلمين ويُعدِّل من الحكم.
إذن: فالتعديل للحكم هو قمة الأمانة مع البلاغة عن الله سبحانه وتعالى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد أقبل على الحكم في أمر لم ينزل فيه حكم من الله، فهو قد حكم بما عنده من الرأي، فيبلغ صلى الله عليه وسلم الحكم من الله، والذي عدَّل له ليس مساويًا له بل هو خالقه.
ثم إن الذي أخبرنا أن الله سبحانه قد عدَّل له هو النبي صلى الله عليه وسلم، فهل يوجد مَنْ يُضعِف مركز كلمته، ويبلغ أن الحكم الذي صدر منه قد عُدِّل له؟ ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي استقبل الوحي تحلّى بأمانة البلاغ عن الله، وهو الذي نقل لنا عتاب ربه له.
وهذه قمة الصدق في البلاغ عن الله، وكان اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم محصورًا في الأمور التي لم يصدر فيها حكم من الله، وكان في ذلك أسوة حسنة لنا لنتجرأ ونجتهد.
«وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن فقال: كيف تصنع إن عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بما في كتاب الله. قال: فإن لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن لم يكن في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: أجتهد رأيي لا آلو. قال: وضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدري ثم قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يُرضي رسول الله صلى الله عليه وسلم».
والحق سبحانه وتعالى خير الحاكمين؛ لأنه الشاهد الذي يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور، وهو سبحانه لا تخفى عليه خافية، ولا هوى له، وهو الذي يصدر الحكم بمطلق عدله وبفضله، وهو القادر على إنفاذ ما يحكم به، ولا توجد قوة تُجير عليه، ولا يوجد حاكم بقادر على كل هذا إلا الله سبحانه.
وشاء الحق عز وجل أن يكرِّم المؤمنين الذين يحكمون بين الناس بأن جعل ذاته ضمنية بتفوق الخيرية على الحاكمين.
وواقع الأمر أن هناك بشرًا يحكمون غيرهم، ولكن الحق سبحانه حكم بأنه خيرهم، فمن الحاكمين مَنْ قد يُدلس عليه غيره، ومن الممكن أن يدخل الهوى في أحكام هؤلاء الحاكمين، لكنه سبحانه لا تَخْفى عليه خافية، ولا يمكن أن يدخل الهوى إلى حكمه، وأحكامه نافذة بطلاقة قدرته سبحانه؛ لذلك فهو خير الحاكمين إطلاقًا.
وإذا سمعت جمعًا يدخل الله ذاته مع خلقه فيه؛ فاعلم أن ذلك إيذان بأن تأخذ من واقع ما تشهد حقيقة مَنْ لا تشهد؛ فالحق سبحانه يقول: {فَتَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخالقين} [المؤمنون: 14]. ويقول تعالى: {والله خَيْرُ الرازقين} [الجمعة: 11]. ويقول تعالى: {رَبِّ لاَ تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الوارثين} [الأنبياء: 89]. ويقول تعالى: {أَلَيْسَ الله بِأَحْكَمِ الحاكمين} [التين: 8].
وكلما وجدت جَمْعًا أدخل الله ذاته مع عباده ممن لهم هذا الوصف، فهذا يَدلُّك على أن الموصوفين معه لهم تلك الصفات المذكورة، ولكنه سبحانه وتعالى أزليٌّ مُطلْق الصفات، وهم أحداث وأغيار تنتابهم القوة والتغيُّر والضعف.
وتجد الله سبحانه وتعالى وهو يَصِفُ نفسه بأنه: {أَحْسَنُ الخالقين} [المؤمنون: 14]. وكلنا نعلم أن الله سبحانه هو خالق كل شيء من عدم، ولكن هناك من الخلق مَنْ يخلق شيئًا من موجود؛ ولذلك فالله سبحانه وتعالى هو أحسن الخالقين.
والحق سبحانه يصف نفسه بأنه: {خَيْرُ الرازقين} [الجمعة: 11]. والرزق هو ما به يُنتفع، وقد يأتي لك وليُّ أمرك بالمأكل والمشرب والملبس، ويعطيك ما تنتفع به، ولكن الحق سبحانه وتعالى هو الذي خلق الرزق في الكون كله.
ويقول الحق سبحانه واصفًا نفسه: {وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله والله خَيْرُ الماكرين} [آل عمران: 54].
والإنسان حين يمكر قد يُدارِي مسألة، ويغفل عن ركن فيها، لكن الله تعالى لا يغفل عن شيء.
إذن: فالخيرية في الحكم لها نصيب من طلاقة قدرة الله تعالى، ونحن عرفنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم حين حكم في بعض الأحكام وعدَّلها له الله سبحانه وتعالى، لم يكن لله تعالى حكم قبل أن يحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومثال ذلك: قصة زيد بن حارثة، وكان مولى أو عبدًا لخديجة بن خويلد رضي الله عنها، ووهبته لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم علم أهله الذين كانوا يبحثون عنه أنه في مكة، وكان قد خُطف صغيرًا من بلده وبيع في مكة، كعادة العرب في الجاهلية مع الرقيق، فلما علموا بذلك ذهبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستردوا ابنهم، فقال لهم رسول الله: «والله إني لأخَيِّره، فإن اختاركم فخذوه، وإن اختارني فهو لي». فاختار زيد أن يبقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يكن رسول الله بعد ذلك ليفرِّط فيه؛ فأعطاه شرف البنوَّة، فأسماه زيد بن محمد. وهكذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم في التبنِّي وسيلة تكريم، ولكن الله عز وجل يريد أمرًا غير هذا، فقال سبحانه وتعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ولكن رَّسُولَ الله وَخَاتَمَ النبيين وَكَانَ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} [الأحزاب: 40].
لأن الأبوة بالتبنِّي قد تُحِدث خَلْطًا في الأنساب، فالابن بالتبني له حق الزواج من ابنة مَنْ تبنَّاه، فكيف نمنع عنه هذا الحق، والابن بالتبني قد تحرم عليه زوجة مَنْ تبناه إن رحل عنها أو طلقها. لذلك شاء الحق سبحانه وتعالى أن يحفظ للأنساب حقوقها ومسئولياتها، فقال سبحانه: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ ولكن رَّسُولَ الله وَخَاتَمَ النبيين} [الأحزاب: 40]. ومهمته صلى الله عليه وسلم كرسول من الله بالنسبة لكم أفضل من الأبوة لكم. وقال الحق سبحانه في تعديل حكم التبني: {ادعوهم لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله} [الأحزاب: 5]؟
وهذا رَدُّ لحكم من رسول الله بتكريم لرسول الله، فما صنعه محمد صلى الله عليه وسلم عَدْلٌ وقسْط بعُرْف البشر، لكن حكم الله سبحانه وتعالى هو الأقسط والأعدلَ، فينتهي بذلك نسب زيد بن محمد، ويعود إلى نسبه الفعلي زيد بن حارثة.
وحتى لا يؤثر هذا الأمر في نفس زيد، نجد الحق سبحانه وتعالى يكرمه تكريمًا لم يُكرِّمه لصحابي غيره، فهو الصحابي الوحيد الذي ذُكِر اسمه بالشخص والعَلَم في القرآن، فقال الحق سبحانه: {فَلَمَّا قضى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزاب: 37]. وصار اسم زيد كلمة في القرآن تُتْلَى ويُجْهَر بها في الصلاة، فإذا كان قد نفي عنه النسب إلى محمد صلى الله عليه وسلم فقد أعطاه ذِكْرًا ثانيًا خالدًا في القرآن المحفوظ، ومنحه بذلك شرفًا كبيرًا.
وقول الحق سبحانه وتعالى: {واصبر حتى يَحْكُمَ الله وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} [يونس: 109].
يفيد أن حكم الله تعالى أعمُّ من أن يكون حكمًا في الدنيا أو الآخرة فقط، فحكم الله سبحانه في الدنيا نَصْرٌ لدين الله، ومَنْ مات من المؤمنين أو الكفار لهم حكم آخر.
وختم الله تعالى سورة يونس بهذا الحكم، وأهدى الله سبحانه كل مؤمن بيونس كنبي من أنبياء الله تعالى قضية عندما ذهب مغاضبًا، قال فيه الحق سبحانه: {وَذَا النون إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فنادى فِي الظلمات أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين} [الأنبياء: 87]. وأهداه الحق سبحانه وسامًا بقوله: {فاستجبنا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغم} [الأنبياء: 88].
وأشركنا الحق سبحانه وتعالى في هذا الوسام بقوله تعالى: {وكذلك نُنجِي المؤمنين} [الأنبياء: 88].
وهكذا أسدى إلينا سيدنا يونس جميلًا كبيرًا، حين هداه الله إلى قوله: {لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين} [الأنبياء: 87].
واستجاب الله تعالى لدعائه، وأنجاه من الغَمِّ، وهو أعنف جنود الله؛ لأن الشيء الذي يضايقك هو الذي لا تستطيع له دَفْعًا.
ولذلك يقول: إن العدو كلما لَطُفَ عَنُفَ؛ لأن العدو إن كان ضخم الحجم، تكون الوقاية منه أسهل من العدو الصغير سريع الحركة، فإن كان العدو ضخمًا، فالإنسان يرى ضخامته من على البُعْد، فيجري منه الإنسان أو يختبئ، لكن إن كان العدو ثعبانًا رفيعًا مثلًا فقد لا يراه الإنسان، وقد لا يستطيع الفرار منه، وإنْ كان ميكروبًا أو فيروسًا لا يُرى بالعين المجرَّدة؛ فهو أعنفُ قدرةً وقوةً في مهاجمة الإنسان.
إذن: كل مُتْعب في الدنيا من الممكن أن تحتاط منه إلا ما يتلصَّص عليك بدقَّة ولُطْف؛ فإنَك لا تعرف مدخله.
ونحن نسمع أن فلانًا قد أصيب بمرض ما، لأنه أخذ عدوى من فيروس ما، هذا الإنسان لا يعرف متى اخترق الفيروس جسده، لكنه فوجئ بأعراض المرض تظهر عليه بعد كمون الفيروس في جسده لأسبوعين، وهكذا نجد أن العدو كلما لَطُفَ عَنُفَ.
والغمُّ من أشد وأقسى أنواع البلاء، وكلنا نعرف قصة الإمام علي كرَّم الله وجهه وهو المشهور بالفُتْيا، وكان الناس يستفتونه فيما يعجزون عن العثور على حل له، واجتمع بعض من الناس وقالوا: نريد أن نجمع بعض الأشياء الصعبة ونسأله عنها لنختبره، فلما اجتمعوا قالوا لعليٍّ كرم الله وجهه: نريد أن نستعرض كون الله تعالى، فقد جلسنا معًا لنعرف أقوى ما خلق الله، واختلفنا فقال كل واحد اسم القوة على حَسْب ما يراها.
لم يتروَّ على بن أبي طالب، ولم يَقُلْ كلامًا مَسْرودًا بحيث إن وقف، لا يطالبه أحد بزيادة، بل حدَّد من الجملة الأولى عدد القوى حسب ترتيبها وقوتها، حتى تطابق العدد على المعدود، وهذا دليل على أنه مُسْتحضِرٌ للقضية استحضار الواثق. وفرد أصابع يديه وقال: أشدّ جنود الله عشرة: الجبال الرواسي، والحديد يقطع الجبال، والنار تذيب الحديد، والماء يطفئ النار، والسحاب المسخَّر بين السماء والأرض يحمل الماء، والريح تقطع السحاب، وابن آدم يغلب الريح، يستتر بالثوب أو الشئ ويمضي لحاجته، والسُّكْر يغلب ابن آدم، والنوم يغلب السُّكْر، والهمُّ يغلب النوم، فأشد جنود الله سبحانه الهَمُّ.
هكذا قال سيدنا علي بن أبي طالب، فالهمُ والغمُّ من أشد جنود الله تعالى، وكان سيدنا يونس عليه السلام سببًا في أن قدَّم الله سبحانه لكل مؤمن به إلى أن تقوم الساعة مَنْجىً من الهمِّ والغمِّ بالدعاء الذي ألهمه ليونس عليه السلام في قوله تعالى: {لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين فاستجبنا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغم وكذلك نُنجِي المؤمنين} [الأنبياء: 87- 88].
وهكذا تعدَّتْ النجاة من الغم من الخصوصية إلى العمومية، وقد أخذها جعفر الصادق رضي الله عنه وجعل منها تذكرة طبية للمؤمن حتى يستقبل أحداث الحياة كلها، في كل جوانبها المفزعة؛ لأن الإنسان يهدده الخوف مما يعلم.